موضوع: أبو رسمي" ثمانون عاماً ولم يبلغ سن التقاعد السبت 11 ديسمبر 2010 - 9:08
لم يكن الشعور بالملل من العمل ما أبعده عن وظيفته، فلولا أن نظره بدأ بالتراجع شيئاً فشيئاً، لكان "أبو رسمي" على رأس عمله حتى هذا الوقت.
"أبو رسمي" مدرس لغة عربية من مواليد عام 1933، لم تكن كلمة تقاعد له تعني أي شيء، فحين بلغ الستين من عمره بعام الـ1992، وطلبوا منه إنهاء الخدمة رفض ذلك وقال لإدارته "لن أتوقف عن العمل طالما أني على قيد الحياة"، فاستمر في الخدمة لمدة 18عاما بعد الستين.
عمل "أبو رسمي" مدرساً لطلاب الإعدادي والابتدائي لمدة عشرين عاماً، إلى أن تم ندبه للعمل في نقابة المعلمين، وهناك بدأ مشواره الذي استمر أربعين عاماً "إلا شهر" بحسب تعبيره.
حين توجهنا لمقابلته في نقابة المعلمين بدرعا لم نجد إلا طاولة وكرسي في "الكريدور" وسجادة صلاة بجانبهما، ولوحة معلقة على الحائط كتب عليها "أبو رسمي" في الطابق الثالث، وبالسؤال عنه تبين أنه ترك العمل منذ يوم واحد كونه بات متعباً وغير قادر على العمل.
ذهبنا إلى منزله المجاور للنقابة، فاستقبلنا بابتسامة دلت على رضا، فقد وجد من يقدر له عمله خلال السنوات الماضية.
جلس على "كنبة" قديمة محاولاً استرجاع السنوات التي مضت فلم يكن منه إلا أن بدأ حديثه بالقول"ماذا أقول لكم، النقابة هي بيتي، واعتدت عليها، فلا يمكن للإنسان أن يترك بيته ويذهب بعد مرور أربعين عاماً، فقد ساهمت في بنائها بالسبعينات، وعندما بلغت سن التقاعد رفضت البقاء في المنزل فلا يوجد أي شيء أقوم به، لذا أصبحت أداوم يومياً في النقابة وعينت بأكثر من وظيفة".
وتابع"عند بداية تقاعدي كانوا يغيرون مكان عملي باستمرار، فمرة أعمل في الصالون ومرة يضعوني في غرفة، وكنت أشعر بالضيق عندما يضعوني بمكان لا يرتاده المراجعين، إلى أن تم وضع مكتبي في كريدور بالطابق الثالث، وبشكل عام استلمت أكثر من مهمة خلال تلك السنوات فمرة كنت رئيس ديوان ومرة مسؤول عن الدفتر الصحي، فضلاً عن أني كنت ناطوراً أتفقد المياه والكهرباء في المساء ليكون كل شيء على أحسن حال".
يفتخر أبو رسمي بأنه ما زال يعمل بنفس الوقت الذي تقاعد به طلابه فيقول"خرجت الكثير من الطلاب منهم الضباط والأطباء، وأصبحوا الآن رفاق لي إلا أنهم تقاعدوا وأنا ما زلت أعمل".
"لم يكن أبو رسمي يأخذ فلساً من المراجعين" هذا ما قاله زميله في العمل محمد عيسى وتابع" الجميع هنا يحب أبو رسمي، فهو مثال للإنسان المواظب على العمل والمخلص لعمله، ففي الوقت الذي نأخذ فيه إجازات كان أبو رسمي يرفض ذلك وينوب عنا بعض الأحيان".
راتب "أبو رسمي" عند تقاعده كان 4200 ليرة والآن أصبح 9700 ليرة، ولم يكن يأخذ أي مبالغ أخرى رغم مواظبته على العمل لمده 18 عاماً.
يؤكد أبو رسمي أنه كان قد اتخذ قراره بالاستمرار في الخدمة لعشرة سنوات أخرى، ولكن تراجع النظر عنده كان السبب فيقول"ذهبت للطبيب ووضعت نظارات، واعتقدت أنها ستحل المشكلة لكن يبدو أن العمر له حقه".
ابتسم "أبو رسمي" ابتسامة خفيفة ثم قال" اليوم مررت بجانب النقابة فلمحني أحد الموظفين فسألني"شو أبو رسمي رجعت؟؟؟؟"، فلوحت له قائلاً "لا بس عم اتمشى".
قرر "أبو رسمي" أن يسكن بمزرعة لابنه تبعد عن درعا قليلاً كون الضجة لم تعد تناسبه، فهو يريد أن يتفرغ للكتابة، إذ أخبرنا أنه شاعر، وله أكثر من ستين قصيدة كتبها على أوراق، ولكن أوراقه تلك لم يخبئها تاركاً إياها لمن قد يهتم بها ويعيد تنظيمها.
قبل مغادرتنا أراد "أبو رسمي" أن يهدي نقابته بضعاً من أبيات الشعر التي نظمها خصيصاً لها
ولي غاية قصوى أود لحاقها وسط النقابة أستظـــل رواقــها