موضوع: في ذكرى المبدع الراحل صيّاح الجهيم الأربعاء 18 أغسطس 2010 - 7:50
كتب الأربعاء 18-8-2010م السمة الأساسية التي رسمت أعمال الجهيم هي الجمالية وشغفه الذي لا حدود له للغة العربية فهو يعتبرها أجمل اللغات وشعرها أجمل الأشعار.
لقد قال وعبر عن ذلك في مناسبات عديدة: (كنت ولا أزال مشغوفاً بهذه اللغة العربية العظيمة التي تبيح أسرارها لمشغوفين بها وتصد عن الذين لم يشغفوا بها،
حاولت أن أنقل جماليتها إلى الذين علمتهم مستنداً في ذلك إلى الثقافة العربية التي ثقفتها وإلى النقد العربي الذي ثقفته وهو نقد يعنى بالجزئيات ولا تكاد تجد نقداً آخر يشبهه وكان حبي لهذه اللغة يدفعني دائماً إلى أن أجعلها قدر الإمكان تسير مع العصر وتعبر عن العصر في المكان الذي أكونه سواء أكنت مدرساً في صف أم واضعاً للمناهج وطالباً أن تدرس المذاهب الأدبية والشعر الحديث لأنه صار ظاهرة عامة ولا يمكن التغاضي عن الظواهر العامة وكم كانت فرحته كبيرة عندما بدأ بدر شاكر السياب يحرك الناس.
ويؤكد الدكتور علي القيم في تقديمه لكتاب (صيّاح الجهيم) مبدعاً لبراعم أيامنا إنه الباحث عن قضايا الرواية الحديثة والرواية في الأدب الأوروبي وأفكار الثورة الفرنسية وأيام الكومونة وأعمال تولستوي الخالدة والمدن الأخرى في قصائد سعدي يوسف وخليل مطران ورامبو شاعر الصبا والحداثة وتاريخ الآداب الأوروبية بكل تفاصيلها وتألقها وابداعاتها ونقد الحداثة وآلام فرتر وأحلام النساء وملامح من الرائع حنا مينة ودون كيشوت.
عاش صيّاح الجهيم حياة حافلة بالعطاءات والإنجازات الأدبية والتربوية التي تركت آثارها الإيجابية على أجيال من المثقفين والمربين والطلاب والباحثين عن المعرفة والأدب والحب وروعة الكلمة في الأدب العالمي كان دائم البحث عن السماء الندية ورائحة الأرض الخفية وإيقاعات الحياة بكل أبعادها السرمدية وإشراقاتها الفكرية، وهو الباحث عن أشكال الحب والألم وعن معنى المغامرة الحياتية في كتابات عمالقة الأدب العالي يتصيد منها أبعادها الإنسانية ومضامينها الحياتية المترعة بالعطاء والتجدد والأحلام والآمال وخلاص البشرية.
لقد قدم لنا صياح الجهيم الأعلام التي ترجمها لنا أو درسها وألف عنها الكتب (شواهد عن عصرها) والأمثلة كثيرة نجدها بصورة واضحة وجلية عندما قدم «كلمات جاك بريفير» التي عكست الفترة التاريخية في فرنسا في الثلاثينيات من القرن الماضي فترة صعود الفاشية والنازية وتكوين الجبهة الشعبية في فرنسا والحرب الأهلية حتى الحرب العالمية الثانية، وهذه الكلمات تبرز بصورة جلية عصر الشاعر ومخاضه وجدله وعنفه وحساسيته وتناقضاته ومن خلالها نطل على التاريخ وعلى الشاعر الناظر إلى التاريخ في آن معاً.
وفي دراسته عن خليل مطران نجد الجهيم يبحث عن رؤية جديدة لرؤية قديمة طالما تكررت في الشعر العربي والرؤية القديمة هي تجزئة جسد المرأة إلى أجزاء وقطع متتالية موصوفة ومرصوفة رصفاً لا يستبقي من المرأة إلا تلك الانطباعات الحسية التي تعجز عن أن تكون وحدة الموصوف والفكرة الجديدة عند مطران، وكذلك استخدامه للصور الحسية وفي بحثه عما يرتسم في المستقبل «يتوافق الجهيم مع روجيه غارودي الذي ترجم له أكثر من عمل عن الفرنسية، منها كتابه «كيف نصنع المستقبل» الذي يرى أن أخطر ما يرتسم في المستقبل تمزق الكوكب الأرضي بين غرب مؤتلف من المحيط الهادي إلى الأورال.
وراء الخصومات الاستعمارية القديمة وتوازنات الإرهاب القديمة بين الشرق والغرب لإدامة هيمنة الشمال على الجنوب ولم يعد المقصود حروباً عالمية تكون فيها المستعمرات ملحقات من اللحم البشري في آليات الفولاذ لصراع الكبار المقصود حرب بين عالمين: حرب جماعة الأثرياء الذين يريدون أن يحتفظوا باحتكار جميع موارد هذا الكوكب والإشراف عليها ضد سائر العالم المرصود لهيروشيما أخرى من الجوع.
صياح الجهيم قال عن الفيلسوف الراحل أنطوان مقدسي: «كان يعرف أن المعركة يربحها الذي يصمد على أرضها وصمد هي معركة الإنسان من أجل الإنسان وكان إنساناً».
وصدق شاعرنا الكبير شوقي بغدادي حين قال فيه: «كان الجميع يلوذون بالصمت كي يستمعوا إليه حتى إذا نطق حسم الموقف بأقل الكلام وأوضحه وأكثره تنظيماً وإقناعاً».
الكتاب: صياح الجهيم- مبدعاً لبراعم أيامنا. - إعداد وتوثيق: الدكتور علي القيم. - صادر عن وزارة الثقافة- دمشق-2010 قطع كبير في 280 صفحة