حقائق من مذكرات الباشا الثورة العربية في جبل العرب "
___________________________________________________
في مطلع هذا القرن بدأ تفتح الوعي العربي السياسي، يتمثل على أرض الواقع، فتشكلت الجمعيات القومية التي تدعو للتحرر من الاستعمار التركي الثقيل، الذي جثم على صدر الأمة العربية أكثر من أربعة قرون، ذاق الشعب خلالها الويلات من المؤامرات الدنيئة, والفتن الطائفية, والمعارك الدموية والحروب المحلية, التي أنهكت البلاد والعباد، وما كادت تلوح أخبار الثورة العربية في الأفق سنة 1916, حتى اقبل عليها الوطنيون وهلل لها الأحرار في كل بقعة من بقاع الوطن العربي الكبير, آملين تحررهم وإنقاذهم وتوحيدهم في امة عربية واحدة, تتابع مسيرة الأسلاف في خدمة الحضارة والإنسانية. ولمَا أطلَ شبح المجاعة الرهيب على سورية و لبنان، أثناء الحرب العالمية الأولى ، فتح الموسرون من أبناء الجبل و حتى الفقراء ،بيوتهم و مضافاتهم ،فنادق ومطاعم مجانية للجياع ،ومختلف اللاجئين إلى الجبل ،من سورية و لبنان و سائر الأقطار العربية ،على اختلاف مذاهبهم و بلدانهم. فكان البرغل و اللحم والسمن يطبخ ويوزع مع الخبز مجاناً على اللاجئين و المحتاجين و يذكر المؤرخون أن عدد اللاجئين إلى الجبل في تلك الأيام زاد على خمسين ألف نسمة. وقد أضحت قرى الجبل ملجأًًًًًً أميناً لعدد كبير من أحرار العرب ومنطلقاً لنشاطهم المناهض للحكم العثماني الجائر. فهذا سلطان الرشيد يلجأ لآل زهر الدين في الصّورة ثم إلى إمتان و لعريسي لآل المغوش في خلخلة ونسيب البكري الذي حل ضيفاً على حمد البربور في أم الرّمان وقد كان من العار على الناس بيع الخبز والطعام بالدراهم وهذه بعض قصائدهم في هذا الموضوع ومعكم الأتراك الجائر:
يا بياعين الخبز بقـــــــــروش ... تبقوا نور ما لكم تـــــــالي
من طبتي فضت أني المنكوش ... والرفش يلحق على التالي
يا ويلي من حكم أبو طربـوش ... حكم بنا والحكم طــــــــالي
لهيا هنّو من بني خربــــــوش ... بمعلقات قفى ســـــــــــالي
كان السيد نسيب البكري قد نقل إلى الجبل قرار الشريف حسين بإعلان الثورة العربية ضدّ الأتراك ورغبة الأمير فيصل بالتعاون مع أبناء الجبل خاصّة وقد كان الكثير منهم أعضاء في الجمعيّات العربية الوطنيّة التي زاد نشاطها عندئذٍ في البلاد العربية وحتّى في العاصمة العثمانية (( الآستانة )) لمقاومة التتريك و الاستعمار التركي.
(توثيق): يقول سلطان باشا الأطرش في مذكراته (ح3): وما أن انقضت أشهر الشتاء البارد من سنة 1917 وأطلّ علينا الربيع بطقسه الجميل حتّى قررنا الجَهر بالثورة وجعل بلدتنا القريّا مقراً لها في الجبل ثم احتفلنا بحضور نفر من أحرار العرب برفع العلم العربي فوق دارنا، وباشرنا بتسيير الملة الكبيرة التي كنّا قد أعددناها من قبل لتلتحق بالجيش الفيصلي في العقبة. حوالي ثلاثمائة خيال وهجان على رأسها من أعيان الجبل: حمد البربور، معذى المغوش، أسد الأطرش و عبد الله العبد الله (ح3). وقد توجه الفرسان نحو العقبة يترنمون بأهزوجة معذى المغوش الآتية:
يا ميرما ودها سكـــــــوت لازم تزور بلادنـــــــــــا
لابد عَ حلق نفـــــــــــــوت وتشوف عج طرادنـــــا
عيال الجبل أحرار ثبـــوت يفني العدا ملكادنـــــــــا
من مصر لساحل بيــــروت لنجد لبغدادنــــــــــــــــا
من أجلها نحيا و نمــــــوت ونحمي حمى أجدادنـــا
رجال العرب ياهل البخوت بالسيف نحمي لأمجادنا
(توثيق): في أواخر كانون الأول سنة 1917 تلقى سلطان باشا الأطرش كتاباً من نسيب البكري جاء فيه: "إن الجيش الحجازي طهر مكة المكرمة من الأتراك، وجيش الخلفاء المنضم إليه الجيش العربي قد افتتح بئر السبع عن طريق غزه في 21 اكتوبر سنة 1917 ويافا في 16 نوفمبر والقدس في 9 ديسمبر. وقريباً سندخل جبلكم المنيع بواسطتكم الله ينصر العرب".
استمرت أخبار انتصارات الجيش العربي تصل إلى الجبل تباعاً عن طريق نسيب البكري حتى عاد هذا إلى الجبل مع بعض المرافقين مندوباً مفوضاً من قبل الأمير فيصل وافتتح مقراً للنشاط بدار حمد البربور في أم الرمان وقد رفع على المقر علم الثورة العربية. وقد حمل بياناً من قيادة الجيش الفيصلي هذا نصه:
(توثيق): إلى أهالي جبل الدروز و حوران المحترمين ... بما أننا قد انتدبنا السيد نسيب بيك البكري إلى جهاتكم بالوكالة عنا بينما نحضر بذاتنا أو يحضر أخونا الأمير زيد لجهتكم فيجب و الحالة هذه إجراء جميع التسهيلات المقضية التي اعتدنا أن نراها من أمثالكم الموصوفين بالغيرة العربية والخمسة و الشهامة العدنانية بطرد أعدائنا وأعداء وطننا ... الذين إذا لم نتحد على طردهم من ديارنا فإنهم لم يبقوا منا فرداً. وإننا بعونه تعالى سنأتيكم قريباً بجيوشنا ومعداتنا هدانا الله و إياكم سواء سبيل.
تحريراً في 18 جمادى الآخر سنة 1336 هـ الموافق في 28 مارس آذار سنة 1918 م قائد الجيوش الشمالية ابن ملك العرب فيصل بن الحسين، مذكرات حلقة 3 ( م ح 3 ).
وقد نظم السيد برجس المغوش في ذكرى الثورة العربية سنة 1916 الأهزوجة التالية:
طاب الموت يا عرب (1) فيصل الأول قالهــــــــــا
يوم الجرح لحق القتب (2) والظلم زاد هوالهــــــا
صاح اشعلوا نار الحرب فوق القمم و جبالهــــــــا
نحرر بها بلاد العـــــرب و نجمع شباب رجالهـــــا
سلطان أول من وثــــــب تّحدّ و أني خيالهـــــــــــا
وحمد سن سيوف الحرب ينتخي وهو شيالهـــــــا
معذى حداها بالعـقـب(4) يا فيصل شد رحالهــــــا
الشام ميعاد الركــــــب نعدل حمول ثقالهـــــــــــــا
قول وفعل سوق الحرب بني معروف أبطالهــــــــا
تركيا ولت بالغصــــــب وفرنسا يعلن فالهـــــــــــا
واليوم عاد (أبولهب) يغزل على مثوالهــــــــــــــا
يغتال حرية الشعب و يبتز قوت عيالهـــــــــــــــــا
ويتآمروا شرق وغرب و يتقاسموا بترولهــــــــــا
ويضحك على عبي القصب ويسلب غزير أموالهـا
القدس أعياها الغضب تندب مصير أطفالهـــــــــــا
يا حيف عَ أمجاد العرب ضاعة عيد أنذالهـــــــــــا
(1) طاب الموت يا عرب إشارة لعبارة فيصل التي اطلقها عندما اعلن الحرب على الاتراك.
(2) القتب: شداد البعير من الخشب او الحديد.
(3) لحد: عبارة نخوة.
(4) حداها بالعقب: غناها بالعقبة.
(5) معذى المغوش: معذى الذي غنى القصيدة.
(6) ابو لهب: ريغن وشركاه.
(توثيق): قبل وصول الجيش الفيصلي إلى درعا كانت الحالة في الجبل قد وصلت إلى شفير الحرب الأهلية بسبب نشاط الأتراك المستمر في مختلف المناطق والنواحي وبذلهم الأموال الطائلة ونشر الدعاية ضد الثورة العربية. وقد وصلت إلى سلطان باشا الأطرش من سليم الأطرش زعيم الجبل الرسالة التالية:
" لجناب قائد الجيش الدرزي دولتو سلطان باشا المعظم: بعد السلام عليكم، اطلعت على تحريركم المرسل منكم إلى أهل (أم الرمان) و (الغارية) و (عنز) و (حوط) و (المغيّر) و(بكّا) ، تطلبوهم كي يوافوكم إلى بصرى أسكي شام، لأجل تتوجهوا عند الشريف لأجل انتقامكم من الدولة العثمانية الأبدية القرار إن شاء الله. أيها القائد العظيم: أسلافنا عند اختلاف الدولة و أهل الشمال انقسمت الدروز قسمين: قسم مع الدولة و قسم مع أهل الشمال. لا تحوجنا نقسم الدروز قسمين، بل اهجعوا و ارجعوا عن طغيكم وبغيكم للناس. ثانياً: نستغني عنكم ونحسب أن سلطان ما كان. ثالثاً: لا تسبحوا على شبر من الماء. رابعاً: تخبروا الناس وتفشوهم أن نابلس لحد الناصرة سقطت مع ثلاثين ألف عسكري يسرا "أسرى" ولا نعلم أن عندكم تلفون بلا سلك لحتى فهمتوا الحقيقة تطغوا جهلاء الدروز بالاشتراك مع جيش علبة العطارة جيش الشريف. ونحن ليس غشاشين ولا هو كار أسلافنا الغش للطائفة مثل منهجكم ينغشوا في المال ويضيعوا إحساسهم وإحساسات الطائفة (م) في 17 ذي الحجة سنة 1736 هـ) كاتبه : سليم الأطرش.
يلاحظ في هذا الكتاب النفسية المستعلية على أبناء الجبل وحتى أبناء العائلة وكان زعيم الجبل له الحق بالطرد من الجبل ومن العائلة وحتى القضاء على المعارضين لرأيه.
وقد أجاب سلطان باشا الأطرش في 19 ذي الحجة سنة 1336 هـ بالكتاب التالي: (( لجناب معالي قائد الجيش التركي سليم باشا الأطرش الأفخم: بعد السلام عليكم، أبدي أني اطلعت اليوم على رسالتكم الوهمية التي لقنت عليكم من صُنّاع الترك. وكنت أريد أن أجيبكم على كل حرف فيها، غير أن وقتنا الثمين لا يسمح لنا و خاصة على ذكركم الدولة التركية البائدة ووصفكم إياها بأسماء وصفات هي لا تقبلها على نفسها لأنها تقر بقصر باعها وعجزها وكفاها ذلك باستنادها عليكم. فيا حضرة ابن العم المحترم، لسنا المغشوشين لأننا لم نطعم من مأكل ( دماسكوس بالاس) ولا دخلنا (جنينة البلدية بالشام). ولا قابلنا تركيا قاتلة آباءنا وهاتكة عرض بلادنا. اقرأ أشعار جدك شبلي رجل الدروز الذي هو اليوم يناديك من أعماق قبره وينهيك لعدم طاعتك تعليماته التي يتسلح فيها العدو قبل الصديق يأخذ احتياطه من خيانة الترك الظالمين. ونحن أعلنا الحرب المقدسة على بواقي جيوش الترك الجائعة. وننصحك أن تعود إلى جادة الصواب لئلا بعد قليل تندم حيث لا ينفع الندم. وعليه باسم عائلتنا الكريمة التي لا أريد أن أخرج من صف رجالها كما تريد أنت. أنصحك أن ترعوي وتعود إلى صوابك لئلا تصبح محروماً من أن تكون طرشا نياً ... ! أما جيش علبة العطارة فهو جيشك الفار ونحن إن شاء الله سنكون خير خلف لخير سلف و سنحافظ على شرف الدروز و مستقبلهم ولا نجعلهم يداسون كما تريد أن تضعهم أنت تحت أقدام أسقط وأوحش دولة في العالم ودمتم.
في 19 ذي الحجة سنة 1336 هـ ، ابن عمكم سلطان الأطرش.
يلاحظ في هذه الرسالة نفسية الثائر المصمم على تحرير الوطن وقد وردت الرسالتان بمذكرات سلطان الأطرش الحلقة الرابعة كما وردت بكتاب ذوقان قرقوط.
تطور الحركة الوطنية في سورية ص 265
(توثيق): يضيف سلطان باشا الأطرش بمذكراته بعد هاتين الرسالتين: سرعان ما وصلتني رسالة الفرج من الأمير فيصل يقول فيها: " أخي سلطان ... الملتقى درعا غداً !! ".
بناءً على هذه الرسالة جرت الاتصالات والمفازيع إلى القرى الموالية للثورة وما هي إلا ساعات حتى كان عج الخيل وأهازيج الفرسان والبيارق تموج خفاقة ومع الجوفيات الحماسية مثل:
يا الله يا معبودنا يا حاكم ع القبايل
يا الله يا معبودنا ترشد مان يقودنا ع العز بين الحمايل
ترشد مان يقودنا والشور لكبارنا
والفعل لزغارنا بالكون ربو الهوايل
والفعل لزغارنا شديت لك جدعية
بالكور منسوبة جدعية تسبق هبوب الريح لو اجاها
بعد التداول بالرأي تقرر الاكتفاء بخمسمائة خيال ساروا خباً فوق الخيول المطهمة تتقدمهم راية الثورة العربية ذات الألوان الخمسة تخفق مع دقات القلوب التي تتوق لرفعها في سماء دمشق راية عربية أولى تبشر بالنصر والتحرير. وفي بصرى استسلمت الحامية التُُُركيَة دون مقاومة تذكر، واستولى الثوار على الأسلحة والذخائر ومستودعات الحبوب المصادرة من الأهالي، فأعيدت لأصحابها كما وزعت الحبوب والمواد التموينية على المعوزين وتابعت الحملة مسيرها إلى الشيخ مسكين دون المرور بدرعا التي احتلها الجيش الفيصلي. و هناك في الشيخ التقت عدة فصائل عربية منها: فريق من حملة الجبل السابقة إلى العقبة، وفريق من عشائر عنزي بقيادة نوري الشعلان طراد الملحم، ثم الحويطات بقيادة عودي أبو تايه. وقبائل بني صخر بقيادة مثقال الفايز حديث الخريشة، و الحورانيون بقيادة اسماعيل الترك الحريري، وقد تقدمت جميع هذه الفصائل بقيادة الشريف ناصر تطارد فلول القوات العثمانية والألمانية المتراجعة حتى توقفت قرب الكسوة أمام خط دفاعي حصين وقوي أقامه الاتراك في تلول المانع، تساقطت منه قذائف المدفعية الثقيلة بغزارة ودون انقطاع على المطاردين، ففتحت في صفوفهم ثغرات واسعة أدت تشردهم وانسحاب أكثرهم. وفي المساء عرج فرسان الجبل على أقاربهم في الدير علي للمبيت ووضع الخطة المناسبة للتنفيذ في اليوم التالي "من مذكرات الباشا مذكرات ح4". وقد وصلهم كتاب بنفس الليلة من الأمير فيصل يطلب إليهم الزحف بسرعة لدخول دمشق قبل وصول الجيش البريطاني إليها.
(توثيق): يقول سلطان باشا الأطرش بمذكراته "ح4":
لقد قمنا بحركة التفاف حول مواقع الأتراك وتحصيناتهم ثم باغتناهم بهجوم صاعق عطل بطريات مدافعهم ونازلناهم بالسلاح الأبيض بالخنادق فقُتل من قُتل واستسلم الأحياء أسرى كان من بينهم ضابط كبير هو رضا باشا الركابي، أسره فرسان قرية الغارية. ولما عرفت هويته العربية أعدت إليه سلاحه و قدمت له جواداً رافقنا عليه مروراً بالحرجلة حتى دخلنا دمشق من جهة حي الميدان ووصلنا ساحة المرجة في 30 أيلول 1918 مع أهزوجة:
وسعوا المرجة ترى المرجة لنا
وسعوا المرجة تتلعب خــــــيلنا
عقبة المريخ شكينا العلــــــــــم
جينا نستشهد في سبيل بــلادنا
ثم تقدمت جموعنا ورفعنا فوق دار الحكومة العلم العربي الذي كان يرفرف في مقدمة حملتنا منذ خروجنا من جبل العرب. في حين انسحبت فلول الجيش التركي نحو الشمال لتخلي المدينة إلى غير رجعة. في اليوم التالي تولى الأمير سعيد الجزائري إدارة حكومة عربية مؤقتة من أعضائها (شكري الأيوبي) و (فارس الخوري) أخذت على عاتقها السهر على أمن المدينة ريثما يصل الأمير فيصل على رأس القوات العربية الرئيسة.
(توثيق): يقول منير الريس في الكتاب الذهبي ( ص 94 ): بعد الانسحاب و الانهيار في جبهة قتال فلسطين كانت أول قوة عربية دخلت دمشق بقيادة سلطان باشا الأطرش مؤلفة من محاربي جبل الدروز سبقت الجيش العربي في دخوله المدينة. فأحتلت حي الميدان والجيش التركي على ضفة بردى ينسحب مشتتاً ومصطفى كمال قائده يقيم في فندق فكتوريا مقر قيادة الجيش التركي, على ضفة بردى مقابل دار الحكومة او دار الولاية, تحرسه قوة من جيش الصاعقة (بيلدرم اوردونسي) وعندما ارتفع العلم العربي ذو الالوان الخمسة على دار الحكومة نزل مصطفى كمال فوراً من الفندق وركب سيارته مغادراً دمشق مع حراسه بأتجاه الشمال, وكانت وراءه سرية اخرى من الصاعقة تنسف الجسور في طريقها لتعرقل تقدم جيش عدوه..
(توثيق): دخل الامير فيصل دمشق في 2 تشرين الاول 1918, واستقبل المهنئين بدار فخري البارودي الواقعة في حي القنوات, وما لبثت حكومة الجزائري ان استقالت وتشكلت حكومة جديدة برئاسة رضى الركابي نفسه الذي سمي بحاكم دمشق العسكري, وعين الامير عادل ارسلان معاوناً له ومستشاراَ للامير فيصل, كما عُين رشيد طليع مديراً للداخلية, وقد اعتذر سلطان باشا الاطرش عن قبول أي منصب حكومي بالرغم من الحاح الامير فيصل عليه بذلك ( مذكرات حلقة 4), بعد أيام قليلة جمع الأمير فيصل بديوانه في المهاجرين وجهاء الجبل المناوئين والمساهمين في الثورة, وبعد ان أبدي الأمير رغبته بإزالة آثار الخلافات تصافح الجميع وتعاهدوا على السير في خط واحد تحت راية الدولة العربية الناشئة. وقد عين الأمير سليم الأطرش حاكماً على الجبل, ونسيب الأطرش عضو في مجلس الشورى بدمشق.
أخذت بعد ذلك الأحزاب السياسية والجمعيات الوطنية تنشط في النوادي والمحاضرات والصحف داعية للوحدة الوطنية والحياة الاستقلالية الجديدة التي بدت كأنها تسير في مجراها الطبيعي.
من جهة ثانية بدى موقف فرنسا وانكلترا من القضية العربية يتكشف على حقيقته, وبدأت تظهر على الساحة أسرار معاهدة (سايكس بيكو), ويتوضح معها الخطر المحدق بالبلاد من جراء تقسيمها لمناطق نفوذ بين فرنسا وانكلترا.
(توثيق): في 20 اذار 1920, اعلن المؤتمر السوري استقلال سوريا بحدودها الطبيعية ومبايعة الأمير فيصل ملكاً عليها. يقول الدكتور الشهبندر ( المقالات ص 230) في 20 ايار 1920 تشكلت حكومة فيصلية على الشكل الاتي: هاشم بيك الاتاسي رئيساً - علاء بيك الدروبي للشورى - رضى بيك الصلح للداخلية - يوسف بيك العظمه للحربية - فارس بيك الخوري للمالية - ساطع بيك الحصري للمعارف - يوسف بيك الحكيم للتجارة والزراعة والاشغال العمومية - جلال بيك زهدي للعدلية - الدكتور الشهبند للخارجية.
استبشر المواطنون خيراً, وطفحت الافئدة بالامل خاصة عندما تسلمت القيادة في البلاد شخصيات وطنية مشهود لها بالاخلاص والجرأة والصلابة في مواجهة التحديات الفرنسية, مثل هاشم الاتاسي, فارس الخوري, عبد الرحمن الشهبندر وغيرهم... لكن كارثة ميسلون في 20 تموز 1920 جاءت بالضربة القاصمة التي ادت لانهيار الجبهة الوطنية, وبلبلت الاوضاع بالداخل. وقد كانت حملة سلطان باشا الاطرش بدعم الجيش الوطني في ميسلون قد وصلت إلى بلدة السجن شمال غرب السويداء, عندما وصلتها انباء دخول الجيش الفرنسي إلى دمشق وانسحاب الملك فيصل وحاشيته بأتجاه درعا, فأرسل سلطان باشا وفداً من حمد البربور وصياح الاطرش وعبدالله العبدالله, للإتصال به, ودعوته إلى الجبل لدراسة الموقف معه ومتابعة الكفاح ضد الفرنسين, وقد حاول الوفد اللحاق به حتى فلسطين, فلم يتمكن من مقاباته, حيث سافر إلى اوربا وعاد الوفد دون ان ينجح بمهمته.
( من مذكرات سلطان باشا ح 4 ) عند وصول الملك فيصل إلى درعا حصلت حوادث شغب عنيفة, حيث التفت حوله الجماهير واسقبلته بحرارة وحماس مما اغضب الفرنسين, فأرسلوا على جناح السرعة بعض اعضاء الحكومة بالقطار لتهدئة الوضع. وقد هاجمت الوفود المحتشدة القطار بمحطة خربة غزالة, فقتلت علاء الدين الدروبي رئيس الوزراء, والوزير عبدالرحمن اليوسف, ونجا الوزير عطا الايوبي. وكلهم من الوزارة التي شكلها الفرنسيون بعد دخولهم إلى دمشق لذلك ارسلت فرنسا جيشاً كبيراً, اشتبك معه الحورانيون بعدة معارك دامية كبيرة, كبدوه فيها خسائر فادحة في الارواح والعتاد, خاصة في المعركة الكبيرة التي وقعت قرب (نبع الكتيبة), حتى تغلب الجيش عليهم اخيراً بالكثرة والاسلحة الحديثة الفتاكة, فخضعوا مكرهين يترقبون الفرصة السانحة للانقضاض والثأر
===========
تم نقل الموضوع حرفيا كما ورد
شكرا لكل من ساهم ويساهم
بالبحث عن هذه المذكرات
.